مقالات

الرئيس حسني مبارك ما هي خطيئته الكُبرى؟ وهل كان بريئًا فِعلًا من تُهم الفساد وقتل شعبه؟ ولماذا تُكرِّمه المؤسّسة العسكريّة بعد وفاته؟

النبأ الصادق / متابعة 

أعلنت السّلطات المِصريّة الحداد ثلاثة أيّام حُزنًا على وفاة الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونعَته المؤسّسة العسكريّة بصفته أحد قِيادات حرب أكتوبر 1973 (كان قائدًا لسِلاح الجو)، لكنّ المشاعر الشعبيّة تُجاهه مُختلفة ومُتضاربة، فالأغلبيّة العُظمى ترى فيه دِيكتاتورًا فاسِدًا حكَم البلاد لثلاثين عامًا، انحاز طِوالها إلى طبقة رجال الأعمال، وكرّس الزّواج بين المال والسياسة، وابتعد بالتّالي عن فئة الفُقراء والمَسحوقين الذين يعيش حواليّ 40 بالمِئة منهم تحت خطّ الفقر ولا يجدون قوت يومهم، وساهم في تدمير العراق بتأييد الحرب ضده، ولهذا لم يكن غريبًا، ولا مُفاجئًا، أن تتم الإطاحة به بثورةٍ شعبيّةٍ انطلقت يوم 25 كانون ثاني (يناير) عام 2011، وكان عِمادها شباب مِصر الذي طفَح كيله وهو يرى بلاده تتعرّض ثرَواتها للنّهب، وتتراجع فيها الحريّات والخدمات العامّة الرئيسيّة.

طبقة رجال الأعمال الفاسِدة عزلت الرئيس مبارك عن الشعب كُلِّيًّا، وأقنعته بتوريث الحُكم إلى نجله جمال الذي كان رأس حربتها، وأسيرًا لفسادها، باعتِباره واحدًا من رُموزها، ويُسجَّل للمؤسّسة العسكريّة الحاكمة، رفضها للتّوريث، وهيمنة طبقة رجال الأعمال، وإن كان البعض ينتقد بشدّةٍ إلغاءها جميع الأحكام بالسّجن التي صدَرت في حقّ الرئيس مبارك ونجليه وعددًا من رجال حُكمه بتُهم الفساد والتسبّب بمقتل 800 من شباب الثّورة المِصريّة المُباركة، وهي تُهمٌ مُثبّتةٌ بالوثائق وشُهود العيان، ولا تحتاج إلى إثبات.

الرئيس مبارك أصبح رئيسًا بالصّدفة وتولّى مسؤوليّة البِلاد بعد اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، وكان بمقدور من نفّذوا عمليّة الاغتيال أن يُطلِقوا عليه الرّصاص عندما هاجموا المنصّة، ولكنّهم لم يفعلوا لأنّه لم يَكُن مُهِمًّا في نظرهم، ويعتقد بعض مُعارضي حُكم الرئيس السادات ومن بعده مبارك، أنّ هذا التّجاهل كانت خطيئتهم الكُبرى، لأنّ الرئيس مبارك تبنّى إرث الأخير في التّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، واتِّباع سياسات أفقَرت الغالبيّة السّاحقة من الشّعب المِصري، ولم يكُن غريبًا أن ينعيه بنيامين نِتنياهو، ويترحّم على أيّامه، ويعتبره صديقًا مُخلِصًا له وللدّولة العبريّة.

سِت مُحاولات اغتيال تعرّض لها الرئيس مبارك طِوال السّنوات الثّلاثين من حُكمه نجا مِنها جميعًا، وكان آخِرها، وأخطرها، تلك التي استهدفته في أديس أبابا عندما كان في طريقه للمُشاركة في القمّة الإفريقيّة في حزيران (يونيو) عام 1995 على أيدي مجموعة إسلاميّة مُتشدّدة، انطلقت من الخرطوم وبدعمٍ من حُكومة الرئيس السوداني السابق عمر البشير المُعتَقل حاليًّا بتُهم الفساد.

ربّما يُجادل بعض المُعارضين مُحِقًّا بأنّ مِصر الثورة شَهِدت تحوّلًا ديمقراطيًّا أتى برئيسٍ مُنتخب في اقتراعٍ أشاد الجميع بنزاهته وشفافيّته، ولكنّه لم يستمر إلا لعامٍ واحد كان حافِلًا بالاضطرابات والاحتجاجات الشعبيّة، وانتهى بسيطرة المؤسّسة العسكريّة على الحُكم بدعمٍ من هذه الاحتِجاجات التي بلغت ذروتها في 30 حزيران (يونيو) عام 2013.

أنصار حُكم الرئيس مبارك الذين ظهروا على السّطح بقوّةٍ في الفترة الأخيرة “يتباهون” أمام خُصومهم بأنّه حقّق الاستقرار والأمن، وأعاد العلاقات مع جميع الدول العربيّة التي انقطعت بعد اتّفاقات كامب ديفيد، ولكن ما قيمة هذا الاستقرار إذا جاء بالقبضة الحديديّة وغِياب الإصلاحات الديمقراطيّة ورفع سقف الحريّات، والتّوزيع العادل للثّروة، وتعزيز القضاء المُستقل والعدالة الاجتماعيّة واجتِثاث الفساد من جُذوره؟

واللّافت أنّ الحُكم الحالي في مِصر يسير على نهج الرئيس مبارك بطريقةٍ أو بأُخرى، ويُحافظ على إرثه في استخدام القبضة الحديديّة تحت عُنوان المُحافظة على الأمن والاستقرار اللّازمين لتحقيق التنمية الاقتصاديّة، وتحسين الظّروف المعيشيّة والخدمات العامّة لأكثر من مئة مِليون مِصري.

الغالبيّة السّاحقة من الشّعب المِصري تتحلّى بالبراغماتيّة، وأقصى درجات الصّبر، وتُراقِب الموقف عن كثبٍ، وتتطلّع إلى الاستقرار والأمن بعد أن استوعبت دُروس ما حدث في دولٍ أُخرى مِثل سورية وليبيا والعِراق واليمن، وهُناك بعض الإنجازات التي لا يُمكن نُكرانها على صعيد التنمية والإصلاح الاقتصادي، حتى أنّ بعض الاقتصاديين العرب من بينهم السيّد طلال أبو غزالة توقّع بناءً على دراسات غربيّة أنّ مِصر ستُصبِح سادس عِملاق اقتِصادي على مُستوى العالم في غُضون 15 عامًا، ولا نعرف مدى دقّة هذه النّبوءة وهل ستتحقّق على أرض الواقع أم لا، وإن كانت هُناك بعض المُؤشّرات الإيجابيّة.

الشّعب المِصري مِثل الفيل الضّخم يُراقِب ويَكظِم الغيظ، ولكن إذا انفجر يجرف كُل شيئ أمامه، ولعلّ الرئيس مبارك أدرك هذه الحقيقة مُتأخِّرًا ودفع ثمنًا باهِظًا ودخل التاريخ كأوّل رئيس مِصري يَقِف في قفَص القضاء مُتّهمًا بالفساد وقتل أبناء شعبه.

المؤسّسة العسكريّة كانت وما زالت الحاكم الحقيقيّ لمِصر، سواءً أثناء حُكم الرئيس مبارك، أو حُكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، ومن يعتقد بغير ذلك لا يعرف مِصر وتاريخها في الماضي والحاضر، أمّا متى وكيف يتغيّر هذا الإرث فاللُه وحده يعلَم.

Hits: 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى